د.علي عبدالقادر
كانت بوادر هذه الحرب العبثية ظاهرة في الافق لي ولكثير من المحللين والكتاب السودانيون وغير السودانيين، ومن بين مقالاتي المنشورة عن الحروب في السودان يمكن الاطلاع على العنوانين التالية : “اوقفوا الحرب اليوم قبل الغد”؛ ” لا للحرب لا للصوملة”، “بهيسة توقف الحرب مقارنة بأزمة المثقف والسياسي السوداني”؛ ” لماذا يقتتل السودانيون عند الخلاف” وغيرها من المقالات.
منذ يوم 15 أبريل 2023م اشتعلت الحرب ولأول مرة بالعاصمة السودانية الخرطوم ولاتزال مستمرة، وأدت لمقتل ما فوق الالف قتيل وسقوط الاف من الجرحى ونزوح ما يقارب المليون مواطن داخل السودان وخارجه .
كما أدت لتدمير جزء كبير من البنية التحتية بالعاصمة وخاصة المصانع والمستشفيات والمطارات، .بل ولتلاف جزء مقدر من الذاكرة السودانية ولا سيما دار الوثائق السودانية وكبرى المكتبات.
لعل أسباب هذه الحرب العبثية وكل ما حولها قد قتل بحثا وانتشرت حوله مئات التقارير والأخبار المتناقضة، وإن كانت الحصيلة وجود مجموعتين بغض النظر عن حجمهما ومكوناتهما مجموعة تساند ايقاف الحرب ومجموعة تدعو الى المضي الى نهايات طريق الحل العسكري، وانسلخت منهما مجموعة تدعو لمساندة الجيش بدون تردد او مأخذ عليه ومجموعة تساند الجيش مع إصرارها على محاسبة القادة . وبالطبع برز كذلك أفراد ومجموعات مدنية تقف خلف قوات الدعم السريع لأسباب مختلفة!!!
لكن من المؤكد ان استمرار الحرب وتطاول امدها، يبقى أن الخاسر الوحيد فيه هو الشعب ودولة السودان.
من الطبيعي ان جيش الدولة الرسمي هو مؤسسة وطنية وركيزة اساسية في كل دولة يجب ان يحقق النصر على الأقل داخل اراضي الدولة!!! مع ان انتصار الجيش عسكريا يعني ايضا اصرار المتشددين فيه على استمرارية الحكم العسكري عبر فرض حالة الطوارئ واستمرارها وعدم القبول بالحكم المدني المتمثل في تنظيم انتخابات نزيهة والاشراف عليها وتسليم السلطة للمدنيين .
من المؤكد ايضا في حالة ايقاف الحرب عبر التفاوض هو عدم قبول قوات الدعم السريع الخسران التام والخروج صفر اليدين من الحرب، بل سيصرون على الحد الادنى مثلا دمج بعض قوات الدعم السريع في الجيش وتعويضات بوظائف سيادية ومالية مقدرة، وقد يتشددون في ضرورة إبعاد بعض عناصر الجيش المسيسة وإعادة هيكلة الجيش، خاصة وأنهم يملكون بعض كروت التفاوض مثل اختطافهم لأسر وبعض القادة العسكريين وبعض رموز نظام الإنقاذ المخلوع من الإسلاميين !!!
إذن، اول درس ينبغي استخلاصه أن هذه الحرب عبثية ليس فيها منتصر او مهزوم، بل المنهزم الوحيد هو السودان وشعبه بسبب خسارته لعدد الاف من القتلى وملايين من النازحين، ودمار للمنشآت والبنية التحتية التي قد تحتاج لزمن طويل ولمليارات الدولارات لإعادة إعمارها، بل حتى القوتين العسكريتين المتصارعة سيقل عتادها وتضعف قوتها وإمكانياتها وتفقد كثير من قادتها وأفرادها وينكشف ظهرها مما يجعلها لقمة سائغة لاي عدو أجنبي!!!
ثاني درس، هو إن استمرارية هذه الحرب العبثية يمكن أن تتمدد لحرب أهلية خاصة بعد أن أعلنت بعض المجموعات من بعض القبائل مناصرتها للجيش وأعلنت مجموعات أخرى مناصرتها لقوات الدعم السريع!!! بل قد يحدث تدويل لتلك الحرب الأهلية، لإن انهزام قوات الدعم السريع عسكريا مع وجود حاضنة قبلية عابرة للحدود لها قد يقود لشيء من التقوقع القبلي والتحالف الاقليمي لمجموع تلك القبائل الحدودية كقوة حدودية تهدد عدة دول في وقت واحد. كما يجب ألا ننسى ان الأيادي التخريبية الخارجية يمكن ان تستخدم ذلك التحالف لزعزعة استقرار المنطقة بأسرها على شاكلة جماعات بوكو حرام وغيرها!!! إذن وجود أي تحالف قبلي مسلح عابر للحدود قد يهدد أمن السودان وتشاد وافريقيا الوسطي وقد تتسبب في زيادة عدم استقرار ليبيا نفسها!!! ولذلك لا بد من إيقاف الحرب اليوم قبل الغد!!!
ثالث درس، هو حتمية وجود جيش واحد في الدولة تحت إمرة قيادة اركان واحدة وتحت إمرة وزير دفاع واحد؛ وهذا الامر يستدعي النظر الفوري في وضع كل الحركات المسلحة وكمرحلة أولى دراسة كيفية ضم حركة جيش التحرير بقيادة مناوي وقوات العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم الانتقال الى مرحلة أخرى هي ضم قوات جيش التحرير بقيادة عبد الواحد محمد نور وقوات الحلو، وهو امر يحتاج لخبرات سودانية من قدماء المعاشيين بجانب الاستعانة بخبرات دولية متخصصة.
درس رابع، ان وجود القواعد العسكرية وسط الاحياء السكنية وفي وسط العاصمة هو ما ساعد في حدوث عشرات الانقلابات في السودان، لان كل مجموعة عسكر ثملى بالسلطة “تقفز” في الظلام على ظهر عدد من المدرعات وتسيطر على حين غرة على القيادة العامة الموحود في قلب العاصمة، ثم مبنى الآذاعة والتلفزيون وتعلن انقلابها الذي فد ينجح او يفشل، ولكن في الحالتين يجعل الانقلاب من السودان اضحوكة بإعتباره اكثر الدول انقلابا عسكري في العالم.لذلك يصبح من الدروس المستفادة اخراج القواعد العسكرية خارج احياء العاصمة، مما يقلل من الانقلابات المستقبلية ويجعل الدولة اكثر استقرارا؛ ويقلل من عدد للضحايا اذا حدث هجوم داخلي او اجنبي على هذه القواعد العسكرية.
درس خامس؛ ولعله الأهم الا وهو إدراك الجميع للفرق بين الحكم العسكري والحكم المدني، ففي الحكم العسكري يؤدي الاختلاف الى حرب بالسنان والسلاح، اما في الحكم المدني فيظل الامر صراع فكري وسياسي وإن شابته أحيانا تصفية بعض الحسابات ولكنها تظل محدودة بين افراد ومجموعات ولا تصل الى مرحلة الحرب وما ينتج عنها من خراب ودمار.
لعل الوصول الى هذه الخلاصة بحتمية الحكم المدني تعني مباشرة ضرورة رجوع العسكر للثكنات مع حل كل المجموعات المسلحة وتوحيد القوى المدنية من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني ونقابات ولجان مقاومة وغيرها والالتفات للعمل المشترك وإعادة التعمير، وتوجيه كل تلك الميزانيات التي كانت توجه للحرب للتعليم والصحة وكل ما فيه خير المواطن السوداني.
abdelgadir@hotmail.com