كيف التحق د. تاج الدين نور الدائم بالثورة الإرترية
بقلم / عبدالله خيار
_
ولد الفنان التشكيلي والثوري والباحث في ثقافة وفنون القرن الافريقي د. تاج الدين نور الدائم يوسف في منطقة كرري بأم درمان ودرس الأولية في بخت الرضا ثم بالمعهد العلمي في الدويم ولأن والده كان عسكرياً بمصلحة السجون وكثير التنقل أكمل دراسته بمدينة سنجة، ثم درس الثانوية في سنجة ولكنه فضل تغير نوع دراسته فالتحق بمعهد التربية بكسلا ويصف د. تاج الدين رحلته من سنجة الي كسلا التي كانت بالقطار بانها من الرحلات الجميلة في حياته، جاء الي محطة قطار السوكي وهو يحمل شنطته الصغيرة وجلس في إحدى عربات القطار والتقى بأشخاص لا يعرفهم من قبل ولكنهم أحاطوه بالود والمحبة، يقول د. تاج الدين “من خلال الحديث معهم عرفت ان وجهتهم مثلي الي كسلا وسعدت بذلك كثيراً لأنني لم اسافر الي كسلا من قبل فأطمأن قلبي لوجودهم بجانبي، كان هؤلاء الاشخاص ذاهبين الي كسلا للعزاء وبرغم الحزن الذي كان يكسوهم الا إنهم لم يبخلوا عليّ بشيء أكرموني وسألوني عن وجهتي، حينما عرفوا انني ذاهب للدراسة زاد اهتمامهم بي، وقالوا لي سوف نصل كسلا ليلاً ولن ندعك تذهب وحدك ليلاً سوف تذهب معنا الي البيت.
حينما وصلنا كسلا ذهبت معهم للمنزل، في صباح اليوم التالي حينما صحوت مبكراً رأيت أمامي جبلاً ضخماً وقريباً جداً من المكان الذي كنت ارقد فيه، تعجبت من هذا المنظر الذي أثار اهتمامي، عرفت فيما بعد إنني في منزل أسرة آل الهداب بالختمية القديمة لهم التحية أوصلوني الي معهد التربية بعربة خاصة، حينها عرفت أن أهل كسلا أناس مسكونين بمحبة الناس، لذا أحببت كسلا وناس كسلا والقاش والسواقي والجبل، ولدي ذكريات لا تنسى عشتها مع أهل كسلا”
بعد أن أكمل تاج الدين دراسته بمعهد التربية كسلا في عام 1975، عمل معلماً بمدينة سنجة ومن ثم انتقل الي جنوب السودان وعمل معلماً بمدرسة ون بنات بجوبا، وبعد فترة انتقل للعمل بالسوكي معلماً بمدرسة ود العيس للتعليم الأخضر. كان د. تاج شغوفاً بالمعرفة والتحصيل العلمي، لذا ترك مهنة التدريس والتحق بجامعة السودان قسم كلية الفنون الجميلة والتطبيقية كمنتدب، بعد اجتيازه امتحان القدرات الفنية الذي كان يعد من أصعب الامتحانات في ذلك الوقت، أكمل السنة الاولى بكلية الفنون كمنتدب، وعاوده الطموح ليكمل الدراسة الجامعية وينال البكالوريوس في نفس التخصص ، لذا جلس لامتحان الشهادة السودانية مع طلاب مدرسة المقرن ــ اتحاد المعلمين وبعد نجاحه تم قبوله في نفس الكلية بصفته طالباً نظامياً وليس منتدباً، وأثناء دراسته أستطاع أن يترأس اتحاد طلاب كلية الفنون الجميلة في دورة 1983.
حينما سالت د. التاج متى وكيف بدأت علاقته بالثورة الاريترية؟ أجابني قائلاً ” بدأت علاقتي بالثورة الاريترية في عام 1972 عندما كنت طالبا بمعهد التربية كسلا، أنا ومعي مجموعة من أصدقاء الدراسة فكرنا في تقديم المساعدات لللاجئين الاريتريين بمعسكر ود شريفي كنا نذهب الي ود شريفي حاملين معنا بعض الاحتياجات ونسلمها لأقرب أسرة تصادفنا، من هنا بدأت التعاطف مع القضية الاريترية وانسانها، ولكن البداية الحقيقية لعلاقتي بالثورة بشكل مباشر كانت بعد ان توليت رئاسة اتحاد طلاب كلية الفنون، كنت أتعاون مع الاتحادات الطلابية الاريترية في الخرطوم وأقوم بتوفير بعض المعينات التي يحتاجونها لإقامة المعارض والندوات ، وأصبحت أتردد على جبهات القتال في اريتريا في فترات غير منتظمة، وكنت أساهم في تصميم الرسالة التي كانت تصدرها الجبهة الشعبية، وكذلك شاركت في تقديم عدد من الكورسات للفنانين التشكيليين الإريتريين بالميدان في منطقة عراك بالساحل”.
يبدوا أن د. تاج الدين تأثر كثيراً بطبيعة حياة المقاتلين في الجبهات، وايمانه القوى بأهداف الثورة دفعه لان يتخذ قراراً صعباً في مسيرة حياته، وهو قرار الالتحاق رسمياً بالثورة الاريترية، فالتحق في عام 1988 بصفوف الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا، وتم توجيهه الي منطقة عراك (مقر الفنانين التشكيليين) بالميدان، وقام الفنان التشكيلي فسهاي بتدريبه علي السلاح ومن ثم اعتمد كمقاتلاً بالجبهة الشعبية وتم منحه الرقم العسكري، بعد فترة وجيزة تم ضمه الي مكتب الاعلام في عراريب وعمل في قسم التصميم والإخراج بالإضافة لتقديمه بعض الدراسات لرسومات الأطفال في مدرسة الثورة.
بعد تحرير مصوع عين مديراً للأثار والمتاحف وبدأ بتجميع الوثائق والاشراف على الاثار التاريخية للمدينة حتى لا يصيبها الخراب.
بعد تحرير اريتريا كلف بتجميع ممتلكات وزارة الثقافة والرياضة، وبعد الفراغ من هذه المهمة قام بتسليم تلك الممتلكات للمناضل صالح ناود وتم تعينه من قبل الحكومة الاريترية المؤقتة ليكون أول مديراً للمتحف الوطني الاريتري.
يعد دكتور تاج الدين هو أول من أسس المتحف الوطني الاريتري مع رفاقه الفنانين الاريتريين. قام بالتوثيق للمناطق الاثرية الاريترية وتحديد مواقعها، وبالتعاون مع رفاقه التشكيليين الاريتريين قاموا بتصميم خارطة توضح تلك المواقع الاثرية، ومن ثم قاموا بتجميع كل ممتلكات امبراطور اثيوبيا هيلي سلاسي وتم عرضها في المتحف الوطني وكان الاقبال شديداً من قبل المواطنين لرؤية تلك الممتلكات الامبراطورية، بالإضافة الي ذلك أصدر تاج الدين توجيهاته للتيم العامل معه لجمع أكبر قدر ممكن من المصنوعات اليدوية الاريترية لكل القوميات الاريترية ليتم عرضها في المتحف، كما كان له الفضل في تأسيس أول معرض حربي اشتمل على البنادق، والذخائر، والاحذية العسكرية، وكل الأدوات الحربية التي استخدمت في مرحلة النضال ضد الاستعمار.
أثناء فترة عملة كمدير للمتحف الوطني استقبل د. تاج الدين كبار الزوار في قصر الضيافة المجاور للمتحف الوطني، ومن بين هؤلاء الزوار استقبل الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر.
هنا لابد أن نشير الي أن دكتور تاج الدين كان أميناً جداً في تعامله مع الوثائق الاريترية، عمل بصدق ومسؤوليه وظل مديراً للمتحف الي تم تسريحه مع المقاتلين الذين تم تسريحهم في عام 1993.
بعد تسريحه من قبل وزارة الدفاع تفرغ دكتور تاج الدين للعمل الخاص ومارس كتابة اللافتات الضوئية في كل من مصوع وعصب.
ثم عاد الي السودان وحصل على رسالة الماجستير ومن ثم الدكتوراة من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا بعنوان (دراسة المصادر المؤرخة للخطوط اللينة (النسخ والثلث) نقوش جزيرة دهلك نموذجاً بإشراف د. انتصار الزين صغيرون ود. عمر محمد الحسن درمة.
كل المحبة لدكتور تاج الدين الذي كان يحمل ريشته والوانه بيد وباليد الاخرى بندقية الثورة، إيماناً منه بعدالة القضية الاريترية، قدم عطاءً لا محدوداً، وعمل بصدق ومحبة، نال احترام الجميع بصدق مشاعره واخلاصه في عمله، كل المحبة لك صديقي د. تاج الدين وسوف تظل دوماً في قلوبنا أخاً وصديقاً ومناضلاًٍ أفنى وقتاً من عمره لخدمة الاخرين.