وقفات تأملية سريعة على قصيدة ( قسم ) للخبير الإعلامي والشاعر / أحمد شريف

بقلم / توفيق قسم الله

أحمد شريف شاعرٌ مصقعٌ يجيد كيفية تجسيد مشاعره وأحاسيسه باقتدارٍ مذهل ، لديه عمق الفكرة والرؤى ، وذكاء مدهش في النظم والسبك والأداء ، كل هذه الإمكانيات والقدرات العالية تستطيع الإستداراج بالمهارة لإقناع المتلقي بمفاهيمه وتصوراته الخاصة للأشياء والرضوخ إليها دون عناء ، وتُسّهل لمن يغايره في الأفكار والأراء أن يصبح له قطاً أليفاً بعد أن كان كلباً مسعورا .
أنا هنا لستُ بصدد طرح دراسة نقدية واسعة وعميقة في القصيدة وإن كانت لديّ فكرة مبيتة من الأساس على قيد التنفيذ لبعض قصائده القديمة ، ولكن وكما هو مذكور في العنوان أنا هنا فقط لأتأمل وبسرعة وذلك نسبة لإرتباطاتي الآنية بأشياء لم تسعفني لأكتب ما في أفكاري من دراسةٍ نقديةٍ مكتملة الأركان ، بيد أني لم أستطع التحكم على نفسي ومشاعري الجياشة بعد أن قرأت القصيدة كي أمرّ عليها سطحيا مرور الكرام دون الولوج والغوص في خضمها ولججها لغرض إصطياد الصيد الثمين / السمين ، لأن أسلوب وشكل القصيدة فريد ودسم بروافد بلاغية تتجسد في فن التصوير، والمجاز، والاستعارات، والكنايات التي وظفها الشاعر بعيداً عن النمط المألوف .

أراد الشاعر أن يكون شكل قصيدتهِ حراً ، ولم يختره أن يكون الشكل مقيدا بالبحور الفراهيدية العمودية المقفى ، كما استخدمه في قصائده الأخرى ، وذلك كي لا يخضع لأغلالٍ محكمةٍ تعيق طرح أفكاره بالعفوية ، أو لتكون كما يريد مضمونها أن يكون ، نفس الفكرة التي راودت في السابق رواد مدرسة الحداثة ، وجعلتهم ينتفضون بثورةٍ شعرية عارمة تحت مسمى قصيدة ( التفعيلة) أو( الشعر الحر ) بقيادة الشاعرة / نازك الملائكة والشاعر / بدر شاكر السياب وغيرهما، ووصولاً إلى ( قصيدة النثر )بريادة/ إبراهيم جبرا ، وأدونيس وغيرهما ، الغريب في الأمر عندما أعلن الحداثيون ثورتهم واجهوا إنتقاداتٍ لاذعةً من قبل الكلاسيكيين ، وعندما إنتفضوا أصحاب قصيدة النثر في وجه شعراء ( التفعيلة ) أيضا واجهوا نفس الإشكالية من قبل الحداثيين تحت شعار أطلقوه ( النثر نثر والشعر شعر ) وبما أن الشعر عِلم كغيره من العلوم فهو قابل لطرء التحديث فيه ولا يمكن الركود والتقوقع في دائرة مغلقة دون التطلع لمواكبة التطور والإنفتاح للثقافات الأخرى ، وإلاّ فثورتهم باطلة لأنها مبنية على أساس باطل ، إمّا الركود والقبوع أو الإنفتاح والتحديث .
أستهل الشاعر/ أحمد شريف قصيدته كنمط بعض الشعراء بالحلف والقسم ، مُعزِّزاً بواو التوكيد والهدف من ذلك هو إزالة وإبعاد الشكوك من ذهن المتلقي أو القارئ لما سيدلي به لاحقا من قناعات ذاتية ناتجة عن الممارسة الفكرية والسياسية في ساحة المعارضة.

لجأ الشاعر إلى الحنكة والليونة في النداء بأسلوب مجازي مرسل بليغ ، ونعت المخاطَب تقربا إليه بالوسامة والجمال ، والمخاطَبُ هنا مجاز، وصفه بالشاب الوسيم الجذاب تتمناه الحسناوات ، ولتثبيت القاعدة البلاغية ذٍكْر أو إطلاق الحال ( سبتمبر ) والمراد هو المحل ( أحداث سبتمبر ) نسبها لظرف الزمان ، ندرك ذلك من خلال وجود قرينة تمنع المعنى الأصلي للفظ كما هو معلوم عند البلغاء ، الغرض من هذا الأسلوب الإستمالي الرائع مع وضع ديباجة شعرية فاخرة عليه ، ليس مراوغةً أو خداعاً من أجل الحصولِ على طلب مستعصٍ أو إستحواذ أغراض ثمينة من جعبة المخاطَب ، بل هو إخبارٌ وإشعارٌ له بصدقِ مشاعره النبيلة وأنه ( حلمهُ الأكبر ) و ( مرسى الضحى ) الوضاء في عتمة الليل وعند إكتناف الضبابية والغموض حين يتخامر ويحجب وضوحُ الرؤية من البزوغ والسطوع .

(وأقسمُ ياوسيمَ العمرِ …أنّك حلمنا الأكبر )
ثقةُ الشاعرِ المفعمةِ بملكاته لناصية اللغة جعلته يتعفف من أخذ جملة حتى وإن كانت غير مفيدة ممن سبقوه بها من الشعراء أو الأدباء ، لذا تراه في حَبْكِ هذه القصيدة بنى حصنَ الإحتياطات الحصين وترسانةً دفاعية متينة يلجأ إليها بأريحية تامة عند إطلاق قذائف صاروخية من قبل النقاد ، الأهم من ذلك هو التحلي بالأمانة العلمية وأن لا يقع في ترهاتٍ لا تناسب حجمَ مستواه السامق والشاهق ، وتُلصق عليه تهمة ( السرقات الأدبية ) التي كادت الآن أن تصبح مقننةً ومشرعنة تحت بند ( التأثير ) ، لذا وضع الشاعر البيت التالي ما بين القوسين .
( إذا ضاقتْ بك الدنيا)
في الوهلةِ الأولى عند قراءتي للقصيدة ذُهلت من ذلك وأستهجنتها ، ولكن بعد أن علّل لي الشاعر مغزاه وهو أدرى بخلجاته وأحاسيسه تجاه القصيدة وأخبرني أنه وضعها من باب إحتمالية الوقوع في الشُبهة ، أقتنعت و قبلتها دون تردد .
نلاحظ في القصيدة أن الشاعر أستخدم اسم التفضيل المشتق من الفعل الثلاثي على وزن (أفعل) مثل ( أكْبر ) ( أزْهر ) ( أصْغر ) ( أفْجر ) ( أحْقر )( أنْضر )وأخواتها ، وهذا ليس من أجل مجاراةِ ومراعاة القافية أو الوزن فقط وإن كان ذلك بُدا وأساسياً في نظم الشعر ، إلا أنها هنا جاءت كلها من السليقة طواعيةً دون تكلفٍ أو تصنُّع ، وهذا ما زاد من بهائها وجمالها وجعلها سلسةً تعكس بالسهولة جزالة المعنى ، وبراعة الشاعر وقدرته العالية في انتقاء وفرز الألفاظ التي أستخدمها الشاعر في بناء صورته الشعرية ووظفها بشكل أفضل في التعبير عن أفكاره وما يريد إيصاله للمتلقي.

أسخدم الشاعر الرمزية في القصيدة إبتداءً من وصف المخاطَب الرئيسي أيلول ( سبتمبر ) في تجسيد الصورة الذهنية لمشاعره الخاصة وميوله السياسية ، وقد يجد القارئ العادي الذي يمتلك قدرا بسيطاً من الذائقة الشعرية في البداية صعوبة إدراك المقصود من القصيدة ، ولكن بعد التمحيص والإجترار والتدقيق فيها حتماً سيتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود .
تمتاز القصيدة بجرس موسيقي عذب وجميل ، يحسّ المتلقي عند قراءتها براحة ذهنية كأنه يستمع سيمفونية مهيجة للمشاعر متناسقة في الإيقاع متناغمة ليس لها نشاز .
(تَعالَى إليَّ مَجدُولًا
ومَعْسولًا بِحُبِّ الحُبِّ
خيرُ الحُبِّ مَا أثْمرْ)
الأسلوب الإستفهامي بنبرة التعجب الذي أستخدمه الشاعر في حديثه مع سبتمبره المغدور والمخذول وهو في حالة قمة الغليان يوحي بأن فيضان اليأس من الوضع الحالك إغروره للنخاع حتى أقتنع تماما بأن لاأملَ في التغيير ولا مخرجَ منه ..كأنّ لسان حاله يقول ( لا سبيل إلى الهدوء ، إذا كان الضجيج مصدره أعماقي ) .
(أمَا تَدرِي بأنَّ الشَّعبَ قد أدبرْ !!
وأنَّ المَنْبِتَ المُخْضَرَّ قدْ أصْفرْ )
فبالتالي أختار مجبورا من أجل إعطاء نفسه راحةً من الإكتواء الضميري الموجِع ، إستفراغ الطاقة السلبية المخزونة التى تراكمت عليه جراء المشهد البائس من داخله ودفعها عنوةً للخارج بالبوح بدلا من الإحتفاظ بها في الوجدان كي لا تتكدس ، ومن ثم إن أمكن دمل جرحهِ الغائر الذي وصل إلى مراحله المتقدمة بغطاء ( أنْ لا قنوط من رحمة الله ) في قسم العناية المركزة مستشفى ( لعلّ وعسى ) .
(لَعلَّ الصبحَ يأتِينَا مُصَادَفَـةً
لَعلَّ اللهَ يَسْقِينا
ويَشفِينَا مِنْ النَّكَباتِ
حَصادَ زمَانِنَا الأغبرْ.
ومَا أدْراكَ يَا أكبرْ).

الأصلُ في كلامِ العرب دلالة كل لفظ على ما وضع له ، فانطلاقا من هذه القاعدة النحوية، الشاعر بدأ بسرد مطلع قصيدته بصيغة المفرد وعندما وصل إلى البيتين التاليين حوّلَ الصيغةَ إلى الجمع لأنه أراد بذلك الإجلال والتعظيم والتفخيم للمخاطَب ، ولأن منهجَ الشاعرِ خليط من مدرستي الشعر الكلاسيكي والشعر الحديث ، ومن طبائع الشعراءِ الكلاسيكيين هو الإظهار بعزة النفس كونه مطلب إلهي ( ولله العزة ولرسولهِ وللمؤمنين ) ، ونجد في قصائد المتنبي نموذجا كثيرة في ذلك ، وإن كنت أرى ثمة تشابه بين الشاعر والمتنبي ربما يرجع ذلك لتأثر الشاعر به ، ولكن هنا طغت عليه طبيعة القدماء لم تقتصر صيغةُ المفرد على المخاطَب فقط ( مجدكم ) بل وصف شخصه رفيع العماد بصيغة الجمع بإدخال نون العظمة ( نلوذ) قد تكون تجربته الطويلة مع الشعر ساعدته في إختراع طرائق سردية جديدة ورسم لوحة شعرية فسيفسائية اللون.. بديعة الأطوار .
(نَلوذُ بِمجْدِكمْ زَهْوًا
ويَشدُو فجْرُنَا الأنْضَرْ.
ومْا أدراكَ يَا أكبرْ)
أعطى سبتمبره السؤددَ التليد الذي باعوه صعاليك قومه والساسة الإنتهازيين بفذلكاتهم الصبيانية في مزاد الذل والهوان .
(تَعالَى نَحْكِي للأقدارِ
سُؤدُدًا بِعْنَاهُ لِلصُّعْلوكِ).

لغةُ الشاعر فخيمة ورصينة تتموسق مع أوتار المتلقي الذي يعزفها في ذهنه تباعاً لأخيلته المستوحاة من الخبرة وهو يقرأ أو يستمع إلى القصيدة ، كما هو حال كل من له ذائقة شعرية .
(وفِي وَهمٍ لِذِي وهْمٍ
نُسَمِّي أنْفُسًا وَهَنتْ
صَنادِيدَ الغدِ البَسَّامِ
أُولِي الطَّولِ والصَّولاتِ
جَاعِلُوا الظُّلمَ
ربيعا
يورق العناب والعنبر
وما أدراك يا أكبر!!!!
ولفك شفرة القصيدة وإماطة اللثام عن النص، لا بد من فهم السياق التاريخي للقصيدة.
وبما أن المخاطب الرئيسي، هو سبتمبر ( أيلول )، و المراد منه الأحداث والوقائع التاريخية التي يحتويها وفي مقدمتها بداية إنطلاق العمل العسكري ، بعد أن وصل العمل السياسي إلى طريق مسدود ، وحُسم الأمرُ بقناعةِ أنْ لاسبيلَ لنيل المطلب الشعبي إلا بحمل السلاح.
تجسيدا لهذه الوقائع أتى الشاعر هنا بتشبيه بليغ تفرّد به عن غيره شكلا ومضمونا :
(يُورِقُ العُنَّابَ والعَنبرْ!!
ومَا أدْراكَ يَا أكبرْ !!
ولا عُـنَّابَ لِلْـ(إيْـلولَ)
وذاكَ الـ (مَايو) قدْ أنذرْ )
(العُنّاب ) شجر شائك من الفصيلة السّدْرية، ويطلق العُنّاب على ثمره أَيضا، وهو أَحمر حلو المذاق على شكل ثمرة النَّبق.
خص الشاعر التشبيه بهذا الشجر وهذا الثمر عن غيرهما، لأنه فاكهة محلية، وله ارتباط وثيق بأرض الوطن والمواطن ، و لأن لونه الأحمر يرمز إلى التضحية والفداء بدافع الحب ، فسبتمبره المعطاء يطابق في عطائه و رمزيته للمعنى معه تماما.

نلاحظ إستخدام الشاعر هنا للجناس وهو أن يتشابه اللّفظان نُطقًا، ويختلفان في المعنى.
( يورق العناب ) يقصد به الشجر ، كأنه أراد أن يقول بالماضي قمنا بضخ دماء ذكية لإنبات شجرة الثورة الوارقة والظليلة التى حررتْ الأرض .
( ولا عناب للأيلول ) وهنا العُنّاب تعني الثمر ، وأراد أن يعبر بذلك وبصيغة الجمع ، ولكننا لم نستطع الجني من تلك الشجرة ثمرةَ محورِ الركيزةِ الأساسية، وهى تحرير الإنسان من الأغلال.
والإنسان الإرتري مازال على قيد العبودية والإستبداد ، وفي قبضة( المستعمر الوطني ) وهذا مصطلح من قاموس الشاعر لتعريف النظام.
وهنا يكمن بيت القصيد الذي يصبو إليه الشاعر وتدندن عجلة النص حوله ، بطرح أفكار كثيرة بجمل قليلة بعيدًا عن الإطناب والإسهاب وكذا الحشو.
العلاقة بين الشاعر والمتلقي تكاملية ، يجمعهما الإتقان من الشاعر في نظمه ، واستجابة القارئ للنظم أو النص برهافة الحس الشعري اليقظ ، اذ لا يمكن الخروج بنتيجة مثمرة بإحداهما فقط ، بمعزل عن الآخر.
هنا برع الشاعر في تقديم لمحات شعرية جذّابة وألفاظ منتقاة بالدقة، ماجعله يتقن فن جودة التواصل مع المتلقي بالإمتياز ، وترك الكرة في ملعب المتلقي، ليعتمد التناغم على حدسية المتلقى وذائقته الشعرية ، وإدراكه للغة ومستوى وعيه الفكري ، فالشاعر لم يصادر بذلك حق القارئ المغاير في عدم تذوقه للقصيدة ، هذا تقييم شخصي وحق النقد مكفول للكل بشرط أن يكون بمنظور علمي صائب ومقنع.

ونجد الجماليات الشعرية المذكورة سابقا ، تتجسّد في الأبيات التالية التي يشكو فيها الشاعر بأن الإنسان المعارض أهدر زمنه في صياغة الخطب المنمقة، وفي( هرج خرافي) أرادوا منّا أن نشربه عسلاً مستساغا أو نبيذ رهبان معتق ، كي نسكر وينقطع تواصلنا مع الواقع ، لنعيش في واحة الأحلام الوهمية، كالمدينة الفاضلة ولا أفلاطون لها .
(أضَعْـنَا العُمرَ فِي خُطَبٍ
وفي هَرجٍ خُرافيٍّ
شِربنَا مرَّهُ المَعسولَ
كَيْ نَسكرْ !!
ومَا أدْراكَ يَا أكبرْ !!
ومَا شَبِعتْ غِوايتُـنَا
ولا شَاختْ ضَلالتُـنَا
فكلُّ لَقِيطةٍ حَمْقَى
نُغَشَّيهَا ونَرتَعُ في شَرَانِقِهَا
وبِتْـنَا الكائِنُ المُنبوذُ إذْ يَـكـبَرْ!!
ومْا أدراكَ يَا أكبرْ)!!!!

ذكر الشاعر اكثر من مرة وإنطلاقا من قناعته الشخصية التي أستنتج خلاصتها بعد قراءته للواقع بدقة متناهية، بأن لا مخرج من دائرة المأزق التي نتقوقع فيها ، إلا بإصرار جاد يجعلنا نتحرك ميدانيا ، لمجابهة النظام الذي يمتلك ويتقن أسلوب الإستبداد ، وشراء الذمم ، وزرع كوادره في داخلنا بالمهارة ، كي تلين صلابتتا ونتلاشى إلى الأبد.
دعا الشاعر الى عدم الاستهانة بقدرات النطام ، بل يجب علينا معرفة آلياته بالتفاصيل، ومن ثم دحضها بنفس الأسلوب أو أكثر حدة وصرامة.
وهنا تتسم القصيدة بأقصى جمال البلاغة حين أراد أن يوصل هذا المفهوم للمتلقي ، وخاطب سبتمبره ملهم النضال، بأن لا ملاذ إلا بالعودة إليه ، وإستعادة التأريخ نفسه ، وذلك بتلبية طلب الزند ، وقد تكون الصورة الشعرية هنا مجازية، وليس المراد منها التطبيق الحرفي للبيت الذي يدعو لحمل السلاح.

(يقولُ الزِّندُ (سبتمبر)
أفِيقُوا أيُّها اللَّاهُونَ
تُوبُوا مِنْ غِوايَـتِكُمْ
تَخَلَّوا عَنْ مَطَامِعِكُم
ولنْ تَشْقُو بأمْجَادِي
ودُونَكُمُ قِتَالاتٍ خِلافَاتٍ
رَمَتْكُمْ فِي لُهَاةِ الجُبِّ
هذا قولُ مَنْ ذَكَّرْ
وهذَا وعْدُ (سبتمبرْ)
ولا عُذرَ لِمَنْ أنْذرْ
ومَا أدْراكَ يَا أكبرْ)!!!
نلاحظ في القصيدة استعمال الشاعر لقافية الراء التي قفيت بها القصيدة ( الأجدر ، الأخضر … ) مع إدخال بعض القوافي الأخرى وذلك لكسر رتابة هذه القافية مثل اللام ( الجندول ، المأمول ) على غرار رواد شعراء الحداثة .
كما أستخدم الشاعر ( ألستَ ) أداة الإستفهام المنفي ٣ مرات متتالية ، وذلك لحمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه إثباتاً وليس نفيا ( من الرؤى الوسنان) ، ( الحب منجاه ومحياه )، (صهيلنا الأجدر ) ، وبهذا الأسلوب الإستفهامي الرائع، أستطاع الشاعر أن يحرك ويدغدغ الوتر الحساس ، متوسلاً بالثوابت الأخلاقية للشعب من النخوة والشهامة، التي لا يمكن أن يساوم بها تحت أي ضغط كان.

و بهذا التساؤل وعلى هذا النحو، أتى كصفعة قوية ، لعلَّ الآخر يفيق من غفوته ويعمل بنصيحة الشاعر لإنقاذ ( الوَطنِ الذَّبيحِ الشَّهدِ ) واسترداد الكرامة (تَلاشتْ عِزَّةٌ شَمختْ ) وتحرير الإنسان :
(ألستَ من الرؤى الوَسنانْ
ألستَ الحبَّ مَنجاهُ ومَحياهُ
ألستَ صَهيلَنا الأجدرْ.
وحينَ يُغرِّدُ الجندولُ
هفْهفَ وعدُنَا المَأمولُ
وشْوشَ عودُهُ الأخْضَرْ.
ومْا أدراكَ يَا أكبرْ!!!
لأنكَ أنتَ (سَبتمبرْ)
وأنَّكَ حبُّـنَا الأولْ
ووجدُ الحُبِّ شوقُ الحُبِّ
يَا أكبرْ.)

الخلاصة :
نستطيع القول، بأن الشاعر وظًف طاقته الإبداعية، في نظم القصيدة بأسلوب بلاغي جذّاب ، كما استطاع أن يجسّد مشاعره وإحساسه بشكلٍ إستثنائي فريد ، يشدّ إنتباه المتلقي ، وذلك بنبش المناطق الحساسة التي تسيطر على عواطفه .
وقد أجاد الشاعر حسن تناسق الأفكار وتصويرها في فنٍ شكليٍّ بديع يأنس له المتلقي ، ويساعده على مراجعة أفكاره وتصوراته لحيلولة معضلة المقاومة والمعارضة ، وعبر هذه القصيدة، تمكّن الشاعر أن يشيّد صرحا أدبيا عملاقا للأدب الإرتري المكتوب بالعربي، وللأدب العربي بشكل عام.

توفيق قسم الله
توفيق قسم الله
المقالات: 46

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *